يظن البعض أن الحرب تعني المواجهة في ميادين القتال وأنه بتحقيق النصر تضع الحرب أوزارها... ولكن يبدو أن هناك حربا أخري لا تقل في الأهمية, وأن هذه الحرب شهدت حلقاتها معارك شرسة أديرت بذكاء شديد وبسرية مطلقة طوال ما يقرل من ستين عاما هي عمر الصراع مع إسرائيل... إنها حرب الجاسوسية والمخابرات....
هذا ما أكدته براعة المخابرات المصرية التي كشفت عن قضيتين في وقت متقارب وازاحت الستار عنهما بكل ثقة... الأمر الذي يؤكد تيقظ الجهاز المصري.. وعلي عكس ما يظن الكثيرون يبدو أن السنوات المقبلة سوف تشهد حروبا عنيفة في أعمال الجاسوسية والعملاء ويبدو أنه مهما حدث من تقدم تكنولوجي فمازال هناك رغبة للعدو وللدول في جمع المعلومات ـ أي معلومات ـ لكن المخجل والمؤسف أن ينساق إثنان من الشباب المصري وراء سطوة المال أو النساء ويسقطا في بئر الخيانة.
في السطور المقبلة حاولت تحقيقات الأهرام قراءة ما وراء القضية بهدف توعية الشباب المصري والعربي بمخاطر هذا المنزلق مع تأكيد الدور الوطني المشرف لجهاز المخابرات المصري.
وهنا يبرز اسم رأفت الهجان الذي زرعته مصر في إسرائيل ليعيش وسط المجتمع الإسرائيلي18 عاما أمد خلالها مصر بمعلومات مهمة وتعود أهمية الهجان إلي أنه كشف ما يسمي باسطورة جهاز الموساد الذي لا يقهر علي حسب إدعاء إسرائيل, وكان للهجان تأثير واضح بعد أن زود مصر بأدق التفاصيل عن خط بارليف اثر حصوله علي خارطة تفصيلية.. ورغم انتهاء حرب أكتوبر وتفوق الجيش المصري ود--- مصر وإسرائيل في اتفاقيات سلام ظن الكثيرون من المفكرين والساسة أن الحرب هدأت بين مصر وإسرائيل ولكن جهاز الاستخبارات المصري ورجاله كان لهم رأي مختلف ـ ربما لم يكن معلنا أنذاك ـ وهو أن الحرب مع إسرائيل لن تتوقف ولكنها سوف تأخذ أشكالا أخري
ولعل من أبرز دوافع حرب الجواسيس الرغبة في معرفة أدق التفاصيل والمعلومات عن مصر وجيشها واقتصادها ومن ثمة فقد توالت قضايا الجاسوسية وتساقط العديد من الجواسيس والخونة والعملاء وكان منهم نبيل النحاس الذي أمد إسرائيل بأسرار ساعدت علي اجتياح الأراضي المصرية واحتلال سيناء قبل عام67 وكان معروفا عنه حبه للنساء وانغماسه في الشهوة وعلي دربه سار فتحي رزق, ومحمد أحمد حسن, وجان ليون توماس, وفؤاد محرم وسمير باسيلي وعامر سليمان وارميلات وعماد اسماعيل وشريف الفيلالي وعصام العطار وأخيرا مهندس الطاقة الذرية وكل هؤلاء تمكنت المخابرات المصرية من كشفهم ببراعة
واستحقت علي حسب قول السفير محمد بسيوني سفير مصر السابق لدي تل أبيب كل التحية واعتبر بسيوني الصراع المخابراتي أهم من الحرب في ميدان القتال وأكد أن المعلومات وتجنيد العملاء سوف يظلان في غاية الأهمية في العمل المخابراتي ولكن الأهم ألا يقع الشباب في فخ الخيانة تحت سطوة المال والرغبات المحرمة ويرتكب أبشع جريمة وبرغم أهمية وسائل الاتصال الحديثة والدور الذي تلعبه الأقمار الصناعية في التجسس لدرجة أنهم أصبحوا يحددون مسار سلك التليفون إلا أن هناك معلومات أخري لا يستطيع أي جهاز مخابرات الحصول عليها بسهولة ولذلك فهو يلجأ إلي ذرع الجواسيس خاصة أن وسائل الاعلام حاليا أصبحت تقدم جرعة كبيرة جدا من المعلومات.
اللجوء للسفارات
وحول تفسيره لمسألة لجوء بعض الشباب إلي سفارات العدو بحثا عن بضاعة رخيصة قال بسيوني: جميع السفارات تتعرض لهذه العمليات وتتعامل معها علي حسب ظروفها, فهناك من يعتبر ذلك صيدا وهناك من لايهتم, لكنها تعد من الأمور الشائعة مع الوضع في الاعتبار احتمالية أن تكون معظم السفارات تحت المراقبة الدقيقة من جانب هذه الدولة أو تلك, خاصة ان هذه المسائل تتعلق بالأمن القومي.
حرب مستمرة
وحول تفسيره لسقوط اثنين من الجواسيس في غضون شهر قال اللواء أمين هويدي وزير الحربية ورئيس جهاز المخابرات الاسبق: اذا كان من المتعارف عليه ان الجيوش تتدرب في وقت السلم وتقاتل في وقت الحرب فإن المخابرات تحارب في وقت السلم والحرب وبالتالي فهي تعيش في حالة حرب مستمرة ويخطئ من يظن ان أي جهاز مخابرات يمكن ان ينام أو يأخذ هدنة لان العادة في علاقات الدول سواء الحلفاء أو الأعداء ان تكون هناك عمليات تجسس ومراقبة ورغبة في الحصول علي المعلومات وكلها عمليات مشروعة تستخدم فيها كل الوسائل, ومن الناحية العملية فإن عملية الحصول علي المعلومات تبدو مستمرة لان المصالح بين الدول مستمرة والمصالح تحتاج الي معلومات كافية لكي تستقر علي الحالة أو تتغير علي حسب احتياجات كل دولة, ومن المفارقات الغريبة ان الاتفاقيات الخاصة بالسلام والشراكة تسمح لأجهزة المخابرات أن تؤدي أعمالها بنوع من الاطمئنان والحرية تحت زعم القيام بأعمال أخري وهنا يسهل نقل المال والأوراق والاشخاص وتغيير المهن وغير ذلك.
مفاهيم الانتماء
ويطالب الكاتب الصحفي كامل زهيري ـ نقيب الصحفيين الاسبق ـ بتعميق مفاهيم الانتماء من خلال المدارس ووسائل الاعلام وعمل توعية للاجيال الجديدة لأن هذه الاجيال ظنت ان عمليات السلام والتطبيع سوف تؤدي الي صداقة مع اسرائيل وهذا غير وارد لأن اسرائيل علي مدي الاجيال والازمنة والعقود تتعامل بفكر الجاسوسية وتخصص مبالغ خيالية للعمل المخابراتي وليست اسرائيل فقط, فالولايات المتحدة الأمريكية يقال انها تخصص35 مليار دولار للبنتاجون والمخابرات وان هذه الميزانية تضاعفت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وتقول المعلومات التي نشرتها الايكونوميست البريطانية أن أمريكا تعودت أن تخصص نسبة65 الي75% من ميزانية المخابرات لاعمال التجسس علي الاتحاد السوفيتي وهذه النسبة الكبيرة تم تحصيصها فيما بعد لدول العالم الاسلامي والشرق الاوسط.
التكنولوجيا
ومن ناحية أخري يري اللواء جمال مظلوم ـ الخبير الاستراتيجي والمدير الاسبق لاكاديمية ناصر العسكرية أن التكنوجيا مهما بلغت إمكانيات من يستخدمها إلا أنها لن تستطيع أن تقدم لك كل شيء خاصة التفاصيل الداخلية وقول البعض إن كل شيء يتم تصويره ومعرفته بالاجهزة الحديثة إنما هو كلام يحمل نوعا من المبالغة بدليل ان المخابرات الامريكية عندما توافرت لديها معلومات عن وجود صدام حسين في احد الاماكن مع بعض رفاقه أرسلت غارة جوية دمرت الموقع ولم يكن به صدام حسين او رفاقه وذهب ضحية الغارة اشخاص أبرياء فأين هي التكنولوجيا التي تنقل لهم ما يدور في غرف النوم علي حد قول البعض؟..